ذكر مذهب القائلين بتعذر التوبة في حقه
الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فقد بقي من موضوع التوبة مسائل:
الأولى: مسألة من أخذ أموالاً من حقوق العباد من غير حلها، ولم يستطع سبيلاً إلى ردها، كأن يكون أصحابها قد ماتوا ولا يعرف ورثتهم أو يجهلهم، أو حصل أي مانع من الموانع التي تحول دون معرفة أصحاب هذا المال، فلم يستطع أن يؤدي إليهم حقهم، فكيف يتوب مثل هذا؟
والجواب أن هذه مسألة خلافية، حيث قالت طائفة من العلماء: لا توبة من مظالم العباد وحقوقهم إلا بأدائها ودفعها إلى أربابها، وعلى هذا فمن تعذر عليه أداء حق العبد إليه فقد تعذرت عليه التوبة، فلا سبيل إلى التوبة، وليس أمامه إلا الانتظار إلى يوم القيامة ليأخذ أولئك من حسناته مقابل ما أخذ من حقوقهم.
وقال هؤلاء: إن الله تعالى لا يترك حقاً لمخلوق أبداً، فحقوق العباد لا يتركها الله عز وجل، ولا بد من أن يوفيها أهلها ولو كان الحق لطمة أو كلمة أو رمية بحجر أو ما أشبه ذلك مما قد يحتقره بعض الناس، فإن الله تعالى يأخذ للمظلوم حقه من الظالم يوم القيامة.
وقالوا: إن الحل أن يتدارك أمره بالإكثار من الطاعات. أي: إذا كان لا حل له إلا بأن يأخذ أولئك من حسناته يوم القيامة؛ فالمخرج أن يكثر من الطاعات والقربات وكل ما من شأنه أن يكفر سيئاته ويكثر حسناته ويثقل ميزانه، حتى إذا أخذ أولئك حقوقهم يوم القيامة بقي له شيء من العمل الصالح فاضلاً عما يأخذه أهل المظالم.
قالوا: ومن جملة ذلك أنه يصبر على ما يظلمه به غيره من الناس، أي: كحال الدين الدنيوي؛ فإنه إن كان لك في الدنيا دين وعليك دين؛ فإنك تحيل من له عليك إلى الذي عنده لك، فكذلك يصبر هذا على أذى الناس وعلى غيبتهم وظلمهم له، فإذا كان يوم القيامة فإنه بدل أن يدفع من حسناته يحيل إلى أولئك، فيأخذ من حسناتهم ويعطي، فيخرج بذلك سالماً.
وأما الأموال التي معه من الحرام فقد أجاب بعض العلماء بأنه يوقف أمرها ولا يتصرف فيها مطلقاً؛ لأنه لا يحل له أن يتصرف فيها.
وقال بعضهم: بل يدفعها إلى الإمام أو نائبه؛ لأنه وكيل أربابها، فيحفظها لهم الإمام أو نائبه.